ارتباطا بالدخول المدرسي الحالي

تعود الأسرة التعليمية هذه الأيام، وكعادتها في مثل هذا الوقت، لجمع حقائبها واقتحام أسوار المؤسسات من جديد بعد فترة استرخاء واسترجاع الأنفاس، استعدادا لموسم دراسي مضن تشير كل دلائل البداية على مستوى الخطاب طبعا على أنه ليس كسابقيه. استعدادات هذه السنة تأتي مفعمة بأجواء روحانية ودينية ومغلفة بشبكة سميكة من المصاريف والحاجيات وسط ارتفاع الأسعار وموجة الغلاء مع إطلالة الشهر الفضيل. ولعل خطاب الدخول المدرسي قد صار مألوفا لدى المعنيين بشؤون التعليم والممارسة التعليمية إذ أضحى من البديهي إطلاق شعلة من الأمل، مع بداية كل موسم دراسي جديد، تكون بمثابة نوع من التهدئة أو الأسبرين للأطر التعليمية على الخصوص وللآباء والتلاميذ والطلبة عموما، سرعان ما تتهاوى وتتساقط كما تتساقط أوراق الأشجار في فصل الخريف. فكثيرا ما شنفت أسماعنا الخطابات الرسمية الرنانة بالاستراتيجية المعلنة لإصلاح المنظومة التعليمية والشأن التعليمي، وبالتدابير الاستعجالية التي تتغيى الرفع من جودة التعليم والرقي بالمستوى الدراسي والبيداغوجي، ولكن الواقع العياني المعيش أثبت مما لا يدع مجالا للشك مدى الخلل الذي ينخر المؤسسة التعليمية، إن على مستوى الأداء أو المردودية أو البنيات التحتية، وهي إشكالات مزمنة بنيوية ومتداخلة كان من نتائجها طبعا المرتبة الملفتة للنظر التي احتلها المغرب في الموسم الماضي في ذيل الترتيب أمام كل من العراق المستكين لجروح الاحتلال وجيبوتي البلد العربي المهادن والمعايش للفقر والتهميش. ولعل واقعا مريضا سماته ارتفاع أفواج العاطلين، الهدر المدرسي، الأقسام المشتركة، غياب شروط التأطير، وهزالة البنيات التحتية وهشاشتها، الإضرابات الدورية للشغيلة التعليمية نظرا لعدم كفاية الأجور للحاجيات المعيشية، ولتحسين ظروف الممارسة التربوية. كلها عوامل تجعل هذا الداء عصيا على أي معالجة فورية. أضف إلى ذلك سياسة التعريب الهدامة التي جعلت برأي كل الخبراء في الميدان من مجال التعليم يسير سنة بعد أخرى نحو موته الإكلينيكي، وهو الذي وضع هذا الانشطار بين تعليم عمومي صارت تلصق به كل صفات السلب ودواعي الفشل، ويلازم الفئات ذات الدخل المحدود أو الفقيرة. كما أن ميثاق التربية والتكوين والذي روج له في وقت سابق على أنه الحل السحري لمعضلة مستعصية لم يلق ما كان منتظرا منه وأبدى فشله كسابقيه. وإذا كان لكل دخول مدرسي شعار، فشعار هذه السنة يأتي في سياق البرنامج الذي بدأ وزير التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر أحمد اخشسيشن في بسط مقتضياته منذ شهور والذي يخص البرنامج الاستعجالي لإصلاح المنظومة التعليمية وهو يهم مساهمة كل المتداخلين في الممارسة التعليمية بغية معالجة الخلل وتقويم الانحدار، كما يروم التعاقد بين المتعلمين والفاعلين في مجال التربية والتكوين من أجل مقاربة تشاركية لإصلاح الوضعية التعليمية، وهذا الموضوع سيكون محور الدخول البرلماني المقبل الذي سيترأسه صاحب الجلالة وأحد الأهداف التي سيتبناها البرنامج الحكومي لهذه السنة. وما دمنا نخوض الحديث عن معضلة التعليم بشكل عام نشير في هذا الصدد إلى أن الإقليم ولخصوصيات مجاله الترابي الشاسع والمنفتح على مناطق نائية تصل حد الفيافي أحيانا يجمع كل الإكراهات والمعيقات السالفة الذكر. ولعل قراءة أولية في بعض الأرقام الاستدلالية لتعطي دليلا واضحا على مستوى التهميش وعلى تدني المستوى التعليمي بهذه المنطقة، تشير بعض الإحصائيات الخاصة إلى أن 13% من أبناء الإقليم لا يلتحقون أبدا بمقاعد الدراسة وأن 24% ينقطعون في حدود التعليم الأساسي وأن 13% من أعداد المسجلين هم الذين ينجحون في مسارهم الدراسي حتى اجتياز الباكلوريا، كما يعد الإقليم من الأقالبم التي لازالت بها نسبة الأمية جد مرتفعة (56%). ومن سمات الإصلاح على الصعيد المحلي ما تم الترويج له أخيرا بفكرة المدرسة الجماعية أو الجماعاتية، سوف تعتمد بست مراكز نائية أولا على أن تعمم لاحقا إذا ما أعطت النتائج المرجوة منها حسب القائمين على إنجازها وهي فكرة تستهدف القرب والتشاركية كما توفر من أجلها كل شروط الممارسة التعليمية الضرورية كالسكن والنقل والتغذية والدعم، ولعل هذه التجربة إذا ما وجدت التربة الخصبة لرعايتها أن تزيل على الأقل الضبابية التي التصقت بعيون الجيل الحالي بل وأصبحت تخيم على جيل بأكمله من فلدات أكبادنا حتى صار التفكير في ركوب قوارب الموت أولى من الجلوس على مقاعد التحصيل.